إنّ من النّصح ما أفسد، ولست أجد نصيحة أكثر إفساداً للتعليم من تلك التي قرأتها في مكتب صديق أجنبي يعمل أستاذا جامعيا، فعلى الجدار لوحة منقوش عليها العبارة التالية: "If your expectations fail, lower your standards"، وترجمتها الحرفية إلى العربية هي: "إذا فشلت تطلّعاتك، فخفّض معاييرك"!
في أيّ نظام تعليمي مرموق، جودة التعليم غاية، والمعايير الصارمة وسيلة، لكن في نظامنا التعليمي غير المرموق، الكم أهم من الكيف، فكل طالب لا بدّ أن يحصل في آخر العام الدراسي على شهادة مكتوب فيها: "ناجح ويُنقل إلى الصف الذي يليه"، فالغاية هي تحقيق أعلى نسبة نجاح، والوسيلة هي التساهل في تطبيق معايير جودة التعليم، ذلك أنّ المهم هو أن ينجح الطالب، لا كيف نجح!
من فساد الخُلق أن تقبل شيئا تُدرك في قرارة نفسك أنك لا تستحقه، ولهذا النوع من الفساد الأخلاقي مظاهر متعددة، منها حقيقة أنّ عددا كبيرا من الطلاب في المرحلة الجامعية لا يتورعون عن قبول درجة لا يستحقونها، بل إنّ منهم من يستجديها استجداء من دون أدنى خجل! فساد الخُلق هذا مستمدّ من نظامنا التعليمي، فعندما يحرص مسؤولو الوزارة على نسبة النجاح أكثر من حرصهم على مستوى التحصيل العلمي، كيف لا يحرص الطالب بدوره على نيل الشهادة أكثر من حرصه على مدى مشروعية الحصول عليها؟
في المرحلة الجامعية، هناك سؤال يطرحه الطالب عادة على أستاذه، وهو سؤال يستحقّ أن نسميه "سؤال المليون"، ليس لأنه ذو أهمية، بل لأنّ عدد من يطرحونه من الطلّاب كبير جدا، والسؤال هو: "هل ما تقوله الآن جزء مما سنراه في الاختبار؟!". لا أدري ماذا تبقىّ من مفهوم "الاختبار" إذا بلغ مستوى الشفافية بين الطالب والأستاذ هذا الحد، وَلَيت شِعري ماذا تبقى من مفهوم "المحاضرة" إذا كان محتواها مقتصرا على محتوى الاختبار؟ لكن لا عجب ولا غرابة، فعندما يكون النجاح بأي ثمن أولى من التحصيل الدراسي، يتهاوى الفضول العلمي عند الطلاّب إلى مجرّد فضول حول معرفة محتوى الاختبار.
إلى جانب، الطلّاب، هناك أيضا ضحايا النظام التعليمي من بين صفوف الأساتذة، أولئك الذين إذا فشلت تطلعّاتهم حول مستوى التحصيل العلمي عند طلّابهم، سارعوا إلى التساهل في تطبيق معايير النجاح في المادة الدراسية، لترتفع بذلك نسبة النجاح على حساب جودة التعليم.
هناك تعليق واحد:
مقاله اكثر من رائعه شكرا استاذي
لكن الاختبار وسيله لغايه و هي النجاح و معظم الطلاب ياخذون الماده ليس لتتفعهم و يستفدون منها بل فقط للدراسه و بعد انتهاء المقرر ينتهي كل ما اخذ في الماده
و بعض الاساتذه يتكلمون خارج محور الدرس فيضيع الطالب فيسأل ليتأكد هل يأتي لم لأ لان يريد ان يحفظ للاختبار
حتى لو قلت ببدايه المحاظره : هذي محاظره كلها للامتحان اتوقع حتى لو تضحك يكتبون يضحك
إرسال تعليق