قبل أشهر، أدلى أحد المسؤولين في وزارة التربية بتصريح عن رداءة الوضع الحالي للتعليم في الكويت، وللتدليل على صحة كلامه ذكر أنّ الطالب في المرحلة الثانوية غير قادر على التعبير عن رأيه! يبدو لي أنّ هناك قدراً كبيراً من التفاؤل غير المبرر في كلام هذا المسؤول، حتى إن جاء هذا الكلام في سياق نقد الوضع التعليمي، فالطالب غير القادر على التعبير عن رأيه لديه على الأقل رأي خاص به، لكن الواقع يشير إلى أنّ أغلب الطلاب الذين يصلون إلى المرحلة الجامعية ليس لديهم في حقيقة الأمر آراء خاصة بهم، والسبب المباشر في ذلك هو أنهم ضحايا تعليم مؤدلج.
لكن ماذا نعني بالتعليم المؤدلج؟ للإجابة عن هذا السؤال، يكفي فقط أن ننظر إلى أمرين: الأول هو طبيعة الأفكار التي استقاها الطالب خلال 12 عاماً على مقاعد الدراسة، والثاني هو طريقة تعامل الطالب مع تلك الأفكار. ماذا يعني، مثلاً، أن يقف طالب جامعي ليقول بكل ثقة إنّ القوانين الوضعية قاصرة لأنّ العقل البشري قاصر؟!
من الواضح أنّ هذا الطالب لا يواجه مشكلة في التعبير عن رأيه كما يظن ذلك المسؤول التربوي، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن هذا الرأي ليس رأياً خاصاً بالطالب، وإلا ما معنى أن يتطوع بقية الطلاب في الدفاع عن الرأي ذاته؟ هل هذا التطابق في الرأي بين جميع الطلاب محض مصادفة، أم أنّه نتيجة عملية تلقين ممنهج ساهمت على مدى 12 عاما في شل قدرتهم على فحص مدى صحة الآراء التي تلقّوها ومقارنتها بوجهات نظر مغايرة.
هذا النوع من الطلاب ضحايا تعليم مؤدلج، وهذا الصنف من التعليم الرجعي لا يهتم بكيفية التعامل مع الآراء المتنافرة بقدر اهتمامه بسيادة الرأي الأوحد، ذلك الذي يعبّر عن الثقافة السائدة في المجتمع! هذا بالضبط هو المقصود من هدف استراتيجية التعليم في "إدماج الطالب في مجتمعه"، فالمطلوب هو خلق طالب ممتثل لشروط الوضع القائم، لا يطمح إلى "تطوير المجتمع إلى الأفضل" إلاّ أن يكون هذا "الأفضل" حسب ما يقرّره واضعو المناهج الدراسية، لا حسب ما ينتج من جراء نقاش حقيقي داخل أروقة المدارس.
في ظل هذه السياسة التعليمية الرجعية، أضحت شهادة الثانوية العامة مجرد دليل على نجاح التعليم المؤدلج في وضع قفل على عقل حامل الشهادة، وبذلك تصبح وظيفة الأستاذ الجامعي مجرد محاولة يائسة في تحطيم ذلك القفل، وهي محاولة تنجح حيناً، وتفشل أحياناً كثيرة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق