عندما سُئل "برتراند رسل" عن شعوره بعد أن ورث لقب "لورد" من أخيه الأكبر، أجاب ساخراً: "كان اللقب مفيدا جداً في تسهيل إجراءات حجز غرفة لي في أحد الفنادق"! من المعروف أن "رسل" ينتمي إلى أسرة أرستقراطية ذائعة الصيت، ومن المعروف أيضاً أنه تنازل عن حصته من الإرث لسبب أخلاقي، فقد كان يؤمن أنْ لا مكان في جيبه لمال لم يجنه من عَرق جبينه! إذا لم يكن المال لِيغريَ هذا المفكر العظيم، فلا عجب أن الألقاب أيضا لم تكن لِتغريَه.
العقول الصغيرة تحرص على الألقاب الكبيرة، وما أكثر العقول الصغيرة ممن يحرصون على لقب "دكتور"، فلو قام القارئ بجولة سريعة بين أروقة الأقسام العلمية في جامعاتنا المحلية، لظن أنه يتجول في مستشفى، فكلمة "دكتور" تملأ المكان، وهي الكلمة التي ينادي بها الأساتذة بعضهم بعضاً، وكأن الاسم الأول لا يفي بالغرض، بل إن من الأساتذة من يستثمر لقب "دكتور" خارج الحرم الجامعي، موهماً نفسه والآخرين بأن هذا اللقب يُخوّل حامله الحديث بكل ثقة حول أي موضوع، وكأن كلمة "دكتور" أصبحت مرادفة لكلمة "خبير"، بينما هي في حقيقة الأمر كلمة لا تعني بالضرورة أن يكون المرء خبيراً حتى في مجال تخصصه!
هناك تشبيه شائع بين رخصة القيادة وشهادة الدكتوراه، وهو تشبيه موفّق إلى حد كبير، فمثلما أن رخصة القيادة هي بمنزلة إثبات أن حامل الرخصة قادر على القيام بقيادة السيارة، فإن شهادة الدكتوراه أيضاً هي بمنزلة إثبات أن حامل الشهادة قادر على القيام بالبحث العلمي، لا أكثر ولا أقل! لا أحد يحرص على لقب "سائق" بعد الحصول على رخصة القيادة، فما الذي يجعل بعضهم حريصاً كل الحرص على لقب "دكتور" بعد الحصول على شهادة الدكتوراه؟
من الناحية النظرية على الأقل، شهادة الدكتوراه عبارة عن اعتراف أكاديمي بأن حامل الشهادة قد ساهم مساهمة حقيقية في حقل من حقول المعرفة الإنسانية، مما يعني أنها شهادة تعكس حرص حاملها على البحث العلمي، لكن عندما تكون الشهادة غاية في ذاتها، فإنها تتحول من كونها إضافة جوهرية إلى المعرفة البشرية لتصبح مجرد إضافة تافهة إلى نمط حياة الفرد، ولعلّ أولئك الذين يطلبون شهادة الدكتوراه لدوافع خاطئة هم أقلّهم حظاً في استخدامها الاستخدام الصحيح، وبشكل عام، لعلّ أكثر الناس حرصاً على الألقاب هم أقلّهم استحقاقاً لها، ولقب "دكتور" ليس استثناءً من هذه القاعدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق