في الخليج شعوب تحلم في مستقبل مشرق، وفي الخليج أنظمة تشفق من مستقبل مظلم، فالديمقراطية هاجس شعوب الخليج، والأمن هاجس أنظمتها، ويبدو أن الأمن نقيض الديمقراطية في القاموس الخليجي، خصوصاً بعد أحداث الربيع العربي، ولعلّ تراجع الديمقراطية في الكويت- مثلاً- لا يمكن فهمه بعيداً عن الهاجس الأمني لدى الأنظمة الخليجية، ولهذا الهاجس مؤشرات تدلّ على تفاقمه، ومفارقات تدلّ على تهافته.
المؤشرات الدالة على تفاقم الهاجس الأمني كثيرة، وكلها تصبّ في مصلحة الأمن على حساب الديمقراطية، ومن ضمن هذه المؤشرات الدعوة التي وجهتها دول الخليج إلى كلّ من الأردن والمغرب في الانضمام إلى المنظومة الخليجية، والمساعدات المالية الضخمة لكل من البحرين وعُمان لتعزيز "الأمن والاستقرار"، والاقتراح السعودي بشأن الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، ومشروع قانون الاتفاقية الأمنية بين دول مجلس التعاون الخليجي.
لا يخلو الهاجس الأمني أيضا من مفارقات تعكس مدى تهافته، فالاتفاقية الأمنية- على سبيل المثال- تفترض وجود حالة من الثقة المتبادلة بين الدول الأطراف، لكن الواقع يشير في حقيقة الأمر إلى العكس من ذلك تماماً، فالحروب الإعلامية التي مازالت مستمرة منذ سنوات بين بعض الدول الأطراف تطورت في الآونة الأخيرة إلى حروب بالوكالة تخوضها مجموعات إرهابية مسلحة على الأراضي السورية، والمواقف الخليجية المتباينة من أحداث مصر أدت أخيراً إلى سحب السفراء وقد تتطور لاحقاً إلى فرض حصار على إحدى الدول الأعضاء.
هذه الحالة من عدم الثقة تكشفها أيضا بنود الاتفاقية الأمنية ذاتها، فبينما تدعو المادة الرابعة من الاتفاقية إلى تعاون الدول الأطراف على تبادل المعلومات والبيانات الشخصية عن مواطنيها، تنص المادة الخامسة من الاتفاقية على أنه "لا يجوز توظيف مواطن أي دولة طرف سبق له العمل في أحد الأجهزة الأمنية لدولته للعمل في جهاز أمني بدولة طرف أخرى إلا بموافقة وزارة الداخلية بدولته"!
بمعنى آخر، تجسس الأنظمة على شعوبها أمر مشروع، بينما تجسس الأنظمة على بعضها بعضا أمر غير مشروع!
أخيراً، المفارقات المؤلمة تتعدى الاتفاقية الأمنية إلى أمور أكثر خطورة، فالتناقضات بين قمة الهرم وقاعه، أي بين الأنظمة وشعوبها، تشير إلى تباين صارخ من حيث الوضع المادي والمستوى التعليمي والفئة العمرية، فعلى قمة الهرم ثراء متزايد وتعليم متواضع وشيخوخة متقدمة، وفي قاع الهرم فقر متفاقم وتعليم متنامٍ وسن يافعة، وهذه هي التناقضات الحقيقية التي تهدد أمن الخليج واستقراره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق