في الكويت، من الصعب أن تقف ضد المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، لكن الأمر الأصعب هو أن تقف ضد المطالبة بتطبيق الخصخصة، إذ يبدو لي أنّ البروباغندا المستمرة منذ سنوات طويلة، والتي تقوم بها وسائل إعلامية تأتمر بأوامر كبار أصحاب رؤوس الأموال، نجحت إلى حدّ كبير في تسويق مفهوم "الخصخصة" وجعله أكثر جاذبية في أذهان العامّة من المواطنين، كما يبدو لي أنّ القطاع الخاص قد نجح فعلا في إقناع الرأي العام بأنّ الخصخصة لم تعد مجرد خيار مطروح بل ضرورة حتمية!
لكن ما الضرورة الحتمية في بيع ممتلكات الدولة وثرواتها، والتي هي ملك لجميع أفراد الشعب، إلى القطاع الخاص؟ ألا تعني عملية البيع هذه بيعاً للمكتسبات الديمقراطية في مزاد علني؟ هل بات تقليص الديمقراطية ضرورة حتميّة؟ أليس انتقال الملكيّة من الأمّة إلى فئة من فئاتها يعني انتقالاً للسلطة من أعضاء البرلمان إلى رجال الأعمال؟ ثمّ ما هذه الازدواجية التي يتعامل بها القطاع الخاص مع دور الدولة في الاقتصاد، فتدخّل الدولة في الاقتصاد محمودٌ في الأزمات، ومنبوذٌ عندما تكون الأمور على ما يُرام؟
الشعار الذي يرفعه كبار أصحاب رؤوس الأموال شعار قديم، فهو شعار يعود إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر، ويشير إلى فكرة انتهازية مفادها أنّ المال العام مستباح في السرّاء والضرّاء، ففي السرّاء يُخَصصُ الرّبح، وفي الضرّاء تُعَمّمُ الخسارة، ولعلّ أحدث مثال على ذلك ما نقرؤه في الفقرة التالية، والتي وردت بالأمس في إحدى الصحف المحلية، ونقلاً عن أحد الاقتصاديين الدّاعين إلى الخصخصة:
"يتعين أن تكون مساهمة الدولة في الشركات في حالة الطوارئ مثلما حدث في أزمة بنك الخليج، حيث تدخلت الهيئة العامة للاستثمار عندما اقتضت الحاجة لإنقاذ البنك من أزمته، ما مثّل جراءة مطلوبة من الدولة، وهو الدور نفسه الذي أدّته الولايات المتحدة في أزمة شركاتها الرئيسة، مثل جنرال موتورز وسيتي بنك، لكن استمرار مساهمة الدولة في الشركات بالأوقات الاعتيادية لا يستقيم مع توجهات الدولة، والمأمول منها في أن يكون تدخلها عند الطوارئ".
لا بدّ من دقّ ناقوس الخطر قبل فوات الأوان، ولا بدّ من التنبيه إلى حقيقة أنّ الخصخصة ليست سياسة اقتصادية فحسب، بل هي أجندة سياسية تجعل من كلّ نظام ديمقراطيّ (حُكم الأغلبية) نظاماً أوليغراشيّا (حُكم الأقليّة)، ومن أراد الاستزادة حول هذا الموضوع فبوسعه أن يقرأ، على سبيل المثال، كتاب "الثعلب في قنّ الدجاج: كيف تهدّد الخصخصة الديمقراطية"، للمؤلفيْن "سي كان" و"إليزابيث مينخ"، أو كتاب "الخصخصة: من مواطنين إلى زبائن"، للزميل الدكتور بدر الديحاني، والذي سيصدر قريبا عن "مكتبة آفاق".