يقول المثل الإنكليزي: "لا تستطيع أن تعلّم الكلب العجوز حيلاً جديدة"، والمقصود هنا- من بين مقاصد أخرى- أنّ الشباب أقدر على مراجعة آرائهم وإعادة تقييمها من أؤلئك الذين بلغوا من العمر عِتيّا، وأحد هؤلاء الذين تقدمت بهم السنّ فخانتهم الذاكرة، وممّن إذا أريته الحقّ واضحاً رآه باطلاً، وإذا رفعت الغشاوة عن عينيه غطّاهما بيديه، ما انفكّ يرددّ بإصرار أنّ المواطن هو مصدر الفساد في هذا البلد، و"المواطن" هنا تعني أنا وأنت، لا هذا وذاك ممّن يجلسون في الدرجة الأولى!
حسناً، لنسلّم جدلاً أنّ المواطن مذنبٌ من رأسه إلى أخمص قدميه، لكن لماذا السكوت عمّن أغواه من شياطين المال والجاه؟ هل تابت شياطين المال عن تشجيع عادة الاستهلاك ولعب دور الوسيط بين المواطن والبضائع الأجنبية؟ وهل تورّعت عن قياس مواقفها السياسية بمسطرة المناقصات والعقود التجارية؟ ثمّ هل ارعوت شياطين الجاه عن شراء ولاء المواطن بفتات العائدات النفطية؟ وهل كفّت عن النظر إلى البلد كأنّه "عزبة" توارثتها بمن فيها أباً عن جدّ؟
اطرح هذه الأسئلة كلّها على صاحبنا فلن تجد عنده إلاّ إجابة نافية، ذلك أنه استمرأ الخلط بين الضحية والجلاد حتى كدنا نجهل مَن ضحّى ومَن جَلَد! يفتخر صاحبنا الذي يرى البياض سواداً، والسوادَ بياضاً، بأنه لم يقبض طوال حياته فلساً واحداً من الحكومة، ولكنه يتناسى أنّ ألوف الدنانير التي يجنيها قلمه جاءت من الحكومة عن طريق وسطاء من شياطين المال، فهؤلاء لم يكن ليستمروا في الثراء الفاحش بعد ظهور النفط لولا يد الحكومة السخيّة!
إذا كان ثمة خطأ في نظرية "ماركس"، فلابد أن نعثر عليه بين سطور تاريخ الكويت، ذلك أن التغير في قوى الإنتاج بعد ظهور النفط لم يصاحبه تغيّر في علاقات الإنتاج، فالأفراد الذين كانوا يحددون قواعد اللعبة بقوا كما هم، فمن كان جدّه تاجراً أصبح حفيده صاحب بنك، ومن كان جدّه عاملاً أصبح حفيده مديناً لصاحب البنك، هكذا أرادت السلطة منذ خمسينيات القرن الماضي، فكان لها ما أرادت رغم أنف "ماركس"!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق