الخبر الكاذب مثل المرض الخبيث الذي تفوق سرعةُ انتشاره سرعةَ اكتشافه، وإذا كان حبل الكذب قصيراً– كما يقولون– فإنّ له متانة أشدّ من حبل الصدق، كما أنّ أثر الخديعة أبقى من أثر الحقيقة، لذا فإنّ اللجوء إلى الأخبار الكاذبة استراتيجية ناجحة في الحروب الإعلامية، وجماعة "الإخوان المسلمين" تشنّ حرباً إعلامية منذ أن أضاعت مُلكاً لم تُحسن سياسته، وهي حرب لا تقلّ خُبثا عن الحروب الإعلامية التي يشنّها الإعلام المصري ضدّ "الإخوان"، لكن عندما يأتي الخبث من جماعة ترفع شعار "الإسلام هو الحلّ"، فإنّ الأمرَ يستحقّ التأمل، وهذا المقال يُسلّط الضوء على جانب من جوانب "الخبث الإعلامي" لدى الجماعة والمتمثل بافتراءاتها المتكررة على المفكّر الأميركي وعالم اللسانيات الشهير "نعوم تشومسكي".
في 27 أغسطس من عام 2013، نشرت صحيفة "يني شفق" التركية على صفحتها الأولى مقابلة أجرتها مع "تشومسكي" حول الأوضاع السياسية في مصر، والجدير بالذكر أنّ هذه الصحيفة التركية تعتبر من أشدّ الصحف الموالية للرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، لذا لم يكن من المستغرب أن تحتفي الصحيفة بمقابلة يظهر فيها "تشومسكي" مسانداً قويا لسياسات "أردوغان"، ومهاجما شرسا للنظام المصري، ومتعاطفاً كذلك مع "الإخوان"، لكن بعد نشر تلك المقابلة بيومين، نشر "تشومسكي" على موقعه الرسمي تصريحا يتهم من خلاله الصحيفة التركية بفبركة أجزاء من المقابلة وتحريف أجزائها المتبقية، وبعد ترددّ ومماطلة نشرت الصحيفة اعتذارا رسميا للقرّاء بشكل عام، ولتشومسكي بشكل خاص، تعترف من خلاله بارتكابها خطأ جسيما!
على الرغم من أن الزمن الفاصل بين نشر تلك المقابلة ونشر ذلك الاعتذار لا يزيد على خمسة أيام فقط، فإنّ الترجمة العربية للمقابلة "الفضيحة" انتشرت كما النار في الهشيم في المواقع الإعلامية الموالية لجماعة "الإخوان"، وبالرغم من مرور أكثر من عام كامل على نشر الصحيفة التركية اعتذارها، فإنّ الماكينة الإعلامية الإخوانية ما زالت غير مكترثة بزيف المقابلة لعدم اكتراثها بنشر الاعتذار، وليس ذلك مما يثير الاستغراب، خصوصا إذا أدركنا أنّ الافتراء الإخواني على تشومسكي ظاهرة، لا حالة فردية، ففي مطلع العام الماضي، نقلت المواقع الإعلامية الموالية لجماعة "الإخوان" عن تشومسكي قوله إنّ الترتيبات قد بدأت "لعودة مُرسي للحكم... وحاسبوني على هذا"، وليت شِعري أيّهما أدعى أن نُحاسبه: تشومسكي الذي لا تسمح له مكانته العلمية بأن يجازف في تقديم تنبّؤ رخيص من هذا النوع، أم جماعة "الإخوان" التي تُبيح لها مبادئها الميكيافيلية تشويه الحقائق ونشر الأكاذيب؟
لا تنتهي الافتراءات الإخوانية على "تشومسكي" عند هذا الحدّ، فالأمثلة كثيرة، ولا تقتصر فقط على المواد المقروءة بل تتعدّاها إلى المواد المرئية والمسموعة، وهي افتراءات تعتمد في انتشارها الواسع على عوامل شتّى لا يسع المجال هنا إلى ذكرها، لكن تنبغي ملاحظة أمرين فيما يخصّ موقف "تشومسكي" من أحداث مصر، الأمر الأوّل هو اعترافه هو نفسه في أكثر من مناسبة بأنه ليس خبيرا بالشأن المصري، وليس على اطلاع على تفاصيله الدقيقة، والأمر الآخر يشير إلى وقوف تشومسكي المبدئي ضد سلطة "العسكر"، لكنّ هذا لا يجعله تلقائياً مع "الإخوان"، ففي آخر مقابلة أجرتها إحدى القنوات العربية الشهيرة معه، أبدى تشومسكي أسفه الشديد على تقلّص الفرص المؤدية إلى قيام ديمقراطية علمانية في مصر، ويبدو أنّ مثل هذا الكلام عصيّ على الفهم عند جماعة تنظر إلى العالم من منظار الثنائيات المزيفة، فإذا لم تكن مع "س" فهذا معناه أنّك مع "ص"، والعكس صحيح، وأمّا فكرة وجود "ع" فليست واردة إطلاقا في الذهن الإخواني ثنائي الأبعاد!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق