تقتصر اللغة على فصيلة الإنسان فقط، والقدرة على التساؤل غير ممكنة من دون وجود لغة، ومن ذلك نستنتج أنّ الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على طرح الأسئلة، وطرحها هو الخطوة الأولى على طريق المعرفة، هذا إذا كنّا ننظر إلى ثقافة التساؤل بوصفها وسيلة لاكتساب المعرفة، لكن يبدو أنّ هناك مَن يصرّ على تشويه هذه الثقافة، وأريد من خلال هذا المقال أن أسلّط الضوء على بعض جوانب هذا التشويه في نظامنا التعليمي.
السؤال علاقة ثنائية بين سائل ومسؤول، وليس بالضرورة أن يكون السائل والمسؤول شخصين مختلفين، فالتأمّل– مثلا– عبارة عن نشاط ذهني يقوم من خلاله الفرد بدور السائل والمسؤول معاً، وبالمثل، عندما يتعلّق الأمر بالعملية التعليمية، ليس بالضرورة أن يكون السائل هو الأستاذ والمسؤول هو الطالب، فمن الجائز أحيانا- بل من الأفضل دائماً– أن يكون الطالب هو السائل والمسؤول معاً، في حين يقتصر دور الأستاذ على حثّ الطالب على طرح الأسئلة ومحاولة الإجابة عنها بنفسه.
وعندما ننظر إلى الأستاذ بوصفه مصدر السؤال دائما، فإننا في واقع الأمر نبعث رسالة غير صحيحة إلى الطالب مفادها أنّ الأستاذ هو أيضا مصدر المعرفة، وإذا كان للأستاذ سلطة مشروعة على طلّابه بحكم وظيفته، فإنّ الرسالة الخاطئة تستحيل إلى رسالة خطيرة مفادها أنّ المعرفة والسلطة مرتبطتان بالضرورة، ففي ذلك تكريس لآفة الدكتاتورية في نفوس الطلّاب.
لا بدّ من إعادة النظر في ثقافة طرح الأسئلة في الفصول الدراسية، فهناك من الأساتذة ممن يعمدون إلى طرح الأسئلة المفاجئة أو الصعبة انتقاماً من كسل الطلّاب وتقاعسهم، والنتيجة المأساوية هي تشويه ثقافة التساؤل، فالسؤال الذي هو في الأصل لون من ألوان الفضول المعرفي أضحى مجرّد شكل من أشكال العقاب، وبدلاً من أن يكون السؤال تعبيراً عن احتفاء عميق بطلب المعرفة أصبح مجرّد احتفاء رخيص بفضح الجهل!
لا تشير القدرة على التساؤل إلى إنسانيتنا فحسب، بل هي قدرة تذكّرنا بفضيلة التواضع المعرفي من جانب، وفضيلة التفكير النقدي من جانب آخر، فإذا كان عدد الأسئلة يفوق دائما عدد الأجوبة، فخليق بنا أن نتذكر دائما أنّ ما نجهله يفوق بكثير ما نعرفه، وإذا كان السؤال الحقيقي يشير إلى عدم اليقين، فخليق بنا أن نكون إلى التشكيك أقرب منّا إلى التصديق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق