إذا كان الهدف من الديمقراطية هو ضمان انسجام القرار السياسي مع إرادة الشعب، فإن شعوب الخليج أثبتت مؤخرا أنها في غنى عن الديمقراطية، وليس أدلّ على ذلك من هذا التأييد واسع النطاق الذي عبرّت عنه أغلب شعوب المنطقة تجاه قرار لم يكن لها دور في اتخاذه، ونعني به قرار التدخل العسكري في اليمن وبداية "عاصفة الحزم"، بل إنّ مِن المؤيدين مَن تعدّى مجرّد التأييد إلى تخوين كلّ مَن يقف في الطرف الآخر، حتى لو كان الوقوف في الطرف الآخر ناتجاً عن موقف مبدئي من الحرب وويلاتها.
"لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"... جملة عُمرها نصف قرن وما زال لها وقع على الأسماع والنفوس، ويبدو أنّ صوت العقل هو من بين الأصوات التي لا ينبغي أن تعلوَ فوق صوت المعركة، فليس من الضروري أن نفكّر بعد أن أصبح التفكير فرض كفاية في غياب الديمقراطية، وليس من المطلوب أن نفهم قبل الضغط على الزناد، بل لا ينبغي إبداء رأي غير منسجم مع التوجّه العام.
اليمن بلد يعيش أكثر من نصف سكّانه تحت خط الفقر، ونسبة الأمية فيه جعلته يحتلّ المرتبة الخامسة على مستوى العالم العربي، وسوء التغذية الذي يعانيه الشعب اليمني بشكل عام جعلته يحتلّ المرتبة الثانية على مستوى العالم، كما أنّ نسبة البطالة في صفوف الشباب بلغت 60%، وكلّ هذه الإحصائيات الخطيرة لم تردع أحد المنظّرين الطائفيين من الحديث عن "حلاوة" الضربات الجوية وضرورة "تطهير" اليمن من "التطرّف الحوثي"، وكأنّ التطرّف الحوثي لم يأتِ كردّة فعل على محاولات حثيثة في تسعينيات القرن الماضي إلى إدماج الحوثيين في المنظومة الثقافية للجزيرة العربية، تارة بالترغيب، وتارة بالترهيب.
ترتفع الأصوات من كلّ حدب وصوب مستنكرة "التدخّل الصفوي في الشأن اليمني"، ومع افتراص صحة هذا الزعم الذي لم تتطوّع جهة دولية لإثبات صحته حتى هذه اللحظة، فإنّ الحقيقة تشير إلى أنّ الشأن اليمني يفتقر إلى الخصوصية منذ عقود من الزمن، والدلائل على انعدام الخصوصية اليمنية أكثر من أن تُحصى، منها على سبيل المثال الدعم الخليجي للتيار السلفي في اليمن منذ تسعينيات القرن الماضي، والدعم الأميركي لحكومة الرئيس اليمني السابق في حُكم البلاد، وإطلاق مبادرة خليجية لاحتواء الثورة اليمنية.
اليمنيون يدفعون ضريبة وجودهم على بقعة جغرافية ذات أهمية استراتيجية، واختطاف ثورتهم لا ينبغي أن يتحمّل وِزرها الحوثيون وحدهم.