منذ مدّة ونحن نسير على طريق تقويض النظام شبه الديمقراطي في الكويت، ومنذ مدّة ونحن نشهد تهافت شعارات دولة المؤسسات وحقوق الإنسان والمجتمع المدني، ومنذ مدّة ونحن نرى الفساد ينخر في مؤسسات الدولة من دون رقيب أو حسيب، لكن أن يصل الأمر إلى أن تعود حليمة إلى عادتها القديمة في القمع والتعسّف في استخدام السلطة فهذا كثير، كثير جدا.
سبق أن كتبنا مرارا وتكرارا أنّ القمع قد يكون أسلوباً ناجحا على المدى القصير، لكنّه بلا شكّ أسلوب فاشل على المدى الطويل، فمن يسمترئ كسر العظام لا يفلح أبدا في جبر القلوب، ثمّ إنّ التدرج في استخدام القوة يُعدّ من أبسط الواجبات الملقاة على عاتق السلطة، في حين أنّ التعسف في استخدام القوة ينزع عن أي سلطة شرعيتها، لكن يبدو أنّ الحكومة لدينا غير مكترثة بالعلاقة الطردية بين استخدام العنف ضد المواطنين وتدهور شعبية الحكومة، فالحكومات الديمقراطية هي وحدها من يحفل بالرأي العام لضمان الاستمرار في إدارة الدولة، وأمّا حكومتنا فأشبه بالأخ الأكبر، فهي مسؤولة عنّا، ونحن مسؤولون أمامها، كما أنّ بقاءها لا يعتمد على بقائنا إلّا بالقدر الذي يجعل من مفهوم "الحُكم" ممكنا من الناحية المنطقية، ففي نهاية المطاف لابدّ للأخ الأكبر من أخٍ أصغر!
أصبحت أوطاننا– مع الأسف الشديد– مثل شوارعنا المزدحمة، فهي من جهة تخلق لديك إحساساً بأنّك شخص غير مرغوب في وجوده، وهي من جهة أخرى تدفعك إلى الرغبة في الطيران بعيداً كخيار أوحد! هي أشبه بأقدارٍ عاقت عن أوطار، وفي "مدن الملح" على وجه الخصوص، لطالما عاقت أقدارنا عن أوطارنا، وكما سبق أن كتبنا هنا في "الجريدة" قبل سنوات، قدرنا في الكويت أننا لا نستطيع التمتع في الوقت نفسه بنوعين من الحقوق: حقوق مدنية وحقوق سياسية، ففي فترات التمسّك بالدستور والنهج الديمقراطي، تعيش الأقلية تحت وطأة استبداد الأغلبية، فتضيع بذلك حقوق الفرد المدنية، مثل حريات الاعتقاد والتعبير عن الرأي والسلوك الفردي، لكن في المقابل، عندما تنقلب السلطة على الدستور والنهج الديمقراطي، نعود من جديد لنعاني استبداداً من نوع آخر، وأعني به استبداد الأقلية لأغلبية مغلوبة على أمرها، وأول ضحية لهذا الاستبداد هو ضياع أبسط حقوق الفرد السياسية، وأهمها حقّ المشاركة الفاعلة في السلطة.
بالرغم من حقيقة أنّ مِن بين أبرز المطالبين بالحريات هذه الأيام هم في حقيقة الأمر مِن ألّد أعدائها، وبالرغم مِن حقيقة أنّ الديمقراطية على الطريقة الإسلامية تعني التكبير أربعاً على آخر ما تبقّى في مجتمعنا الصغير من مدنية، وبالرغم من حقيقة أنّ المتسلّقين على تضحيات الشباب الوطني أشبه بالضباع تنتظر نهاية العراك لِتقتات، فإنّه لا مناص من قول "لا" للعنف ضد المواطنين يا سُلطة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق