الأيديولوجيا، بمفهومها الواسع، تشير إلى منظومة من أفكار راسخة وقيم عُليا تمنح الفرد نظرة محدّدة للعالم من حوله وشعوراً بالانتماء إلى كيان اجتماعي، كما أنّها تشكّل أيضا الإطار العام الذي يتفاعل الفرد من خلاله مع محيطه على مستويَيْ التفكير والسلوك معاً، ولهذا فإنّ الأيديولوجيا لها من التأثير السياسي على أمم بأكملها عبر عصور التاريخ ما لا يمكن تجاهله، وبقدر رواج أيديولوجية ما وشيوعها، تزداد فاعليّة أثرها السياسي، ورواج الأيديولوجيا، مثل رواج أيّ شيء آخر، يعتمد في المقام الأول على القدرة على تسويقها، ونريد من خلال هذا المقال أن نلقيَ لمحة إلى "الصحوة الإسلامية" بوصفها أيديولوجية دينية راجت رواجا كبيرا منذ سبعينيات القرن الماضي.
لم تكن "الصحوة الإسلامية" سوى أيديولوجية دينية اختلفت في الشكل واتّحدت في المضمون، فأمّا الشكل فجاء ضمن مُسميّات مثل "النهضة الإسلامية" أو "البعث الإسلامي" أو "الصحوة الإسلامية"، وأمّا المضمون فلم يكن سوى نهج رجعي نتج عن ظروف موضوعية، مثل هزيمة عام 1967 وبداية العدّ التنازلي لانحسار التيّار القومي والعدّ التصاعدي لاتساع المدّ الإسلامي، وأزمة النفط الأولى في عام 1973 وظهور بوادر ما أُطلق عليه "البترو-إسلام" عند بعض الباحثين (ومن ضمنهم مفكرون إسلاميون)، وانحياز العصر الساداتي إلى المعسكر الغربي وما ترتّب على هذا الانحياز من تعزيز تحالف أهم أقطاب قوى الاستبداد في العالم العربي مع التيار الديني، وهو التحالف الذي ساهم تارة في تحقيق مصالح النيوليبرالية الصاعدة في المعسكر الغربي، وساهم تارة أخرى في تسخير الشباب المسلم في خوض حرب بالوكالة عن الغرب ضد التمدّد السوفياتي.
لا يعنينا هنا تحديد التاريخ الفعلي لبداية "الصحوة الإسلامية"، ولا تعنينا مظاهرها الساذجة التي انتشرت على مستوى السلوك الفردي عند أولئك الذين اكتشفوا فجأة أنهم مسلمون، بل إنّ ما يعنينا في هذه العجالة هو الوقوف على نشوء ظاهرتين في فترة السبعينيات، ظاهرة "الاقتصاد الإسلامي" وظاهرة "الإعجاز العلمي"، بوصفهما تجسيدا صارخا لتسويق "الصحوة الإسلامية"، ولعلّ ما يجمع بين هاتين الظاهرتين هو صفة التطفّل التي اتخذت من التحايل وسيلة للسطو على نتاج العقل البشري، ولولا وفرة المال وسِعة الجهل لما كُتب النجاح لذلك التحايل، ولما قُدّر لذلك التطفّل أن يصرف شعوب المنطقة عن مشكلاتها الحقيقية إلى أحلام اليقظة، ولما انشغلنا طوال العقود الأخيرة بما آلت إليه معركة الجمل أكثر من انشغالنا بعواقب انقلاب 28 مُرداد، ولما أصررنا على حثّ الخَلف على اتباع السّلف حتى حَكَم الأمواتُ الأحياءَ!
يتبع،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق