عنوان هذا المقال يشير إلى الجملة الشهيرة التي طالما ترددت على لسان العجوز في حكاية "السندباد" الشهيرة، وهي جملة تُستخدم لأحد غرضين: إمّا لغرض أخلاقيّ يهدف إلى مواساة مَن أصابه أمرٌ جلل، وإمّا لغرض معرفيّ يهدف إلى تقديم تفسير لظاهرة طبيعية، ومع الاعتراف بأن الغرض الأخلاقي لهذه الجملة فعّال جدّا في طمأنة قلوب المؤمنين بمشيئة الله، فإنّ الغرض المعرفي لا يضيف شيئا إلى عقول المتعطشين لفهم الظواهر الطبيعية، والسبب في ذلك بسيط ومباشر: التفسير الذي يفسّر الظاهرة ونقيضها لا يفسّر أيّا منهما، فعلى سبيل المثال، عندما نستخدم جملة "هذه مشيئة الله" كتفسير لنزول المطر على مدينة الكويت، ثم نستخدم الجملة نفسها لتفسير عدم نزول المطر على مدينة الجهراء، فإن الجملة لا تفسّر في واقع الأمر أيّاً من الظاهرتين.
لنقارن ما سبق بالتفسير العلمي لنزول المطر، وهو تفسير يشير إلى شروط مناخية محددة، إذا توافرت هطل المطر، وقد يقول قائل إن الأمر مشابه لقولنا "إذا شاء الله هطل المطر"، ولكن تنبغي ملاحظة اختلاف جوهري بين الحالتين، فالتفسير العلمي يتيح لنا التنبؤ بهطول المطر بفضل معرفتنا المسبقة بالشروط المناخية المتعلقة بهذه الظاهرة، في حين أنّ التفسير الديني لا يتيح ذلك بسبب عدم معرفتنا بمشيئة الله إلّا بعد حدوث الظاهرة، لا قبل حدوثها! هذا الاختلاف الجوهري بين التفسير العلمي والتفسير الديني هو المسؤول عن حقيقة أنّ الأول قابل للتزييف، في حين أنّ الثاني غير قابل لذلك، ولتوضيح هذه النقطة، دعنا نلقِ نظرة على الاحتمالات التالية:
1- توافرت الشروط المناخية المطلوبة، ثم هطل المطر.
2- توافرت الشروط المناخية المطلوبة، ثم لم يهطل المطر.
3- شاء الله فهطل المطر.
4- شاء الله فلم يهطل المطر.
التفسير العلمي صحيح في (1) وخاطئ في (2)، في حين أنّ التفسير الديني صحيح في كلتا الحالتين، ذلك أن المشيئة في (3) تعني مشيئة الله في هطول المطر، وتعني في (4) مشيئة الله في عدم هطول المطر.
في البرامج الدينية، تكثر عبارات شَرطية من هذا القبيل "إذا فعلت كذا وكذا (س) من المرات في اليوم، فإن دعاءك مُستجاب"، ومثل هذه العبارات غير قابلة للتزييف، ذلك أنّ الدعوة غير المستجابة لا تشير إلى خلل في هذه الجملة الشرطية، بل إنّ الخلل يكمن في أنّ الداعي لم يقم بالدعاء على الوجه المطلوب، والوجه المطلوب ليس من الممكن معرفته إلاّ بعد أن يكون الدعاء مستجاباً! إنّ الأمر أشبه بعالم يقول "إنّ نظريتي صحيحة رغم كل التجارب التي أثبتت عدم صحتها"، وعندما يُسأل عن نوع التجربة التي يرضى بها لاختبار صحة نظريته، يجيب قائلا: "التجربة الوحيدة المناسبة هي تلك التي تثبت صحة نظريتي"!
لكن ما الضرر في الجمع بين التفسيرين العلمي والديني؟ لا ضرر ولا منفعة، فمن الناحية المعرفية الصرفة، لا يضيف التفسير الديني جديدا إلى الإضافة الابستمولوجية الحقيقية للتفسير العلمي، ولا يبقى لنا في هذه الحالة سوى أنّ نردّد مع "لابلاس" قائلين: لسنا في حاجة إلى تلك الفرضية!