عنوان هذا المقال عبارة عن جملة غير تامة المعنى، ولإتمام المعنى لا بدّ أن نضع كلمة محددة في مكان (س)، وإذا أردنا أن نجمع بين تمام المعنى وتمام العقل، فلا بدّ أيضا أن تكون الكلمة التي نختارها منسجمة منطقيا مع مفهوم «الافتخار»، ولهذا المفهوم معنيان: معنى حرفي ومعنى مجازي، فأما المعنى الحرفي لمفهوم الافتخار فيشير إلى شعور المرء بالسعادة للقيام بإنجاز يستحق الإشادة أو للتحلّي بفضيلة تستحق الإعجاب، وأمّا المعنى المجازي فيشير إلى تأكيد المرء على كرامته من خلال إبراز خصلة فيه لا يملك لها دفعاً ولا يراها مَعيبة كما قد يراها الآخرون. لننظر الآن إلى الجُمل التالية للتحقق من مدى انسجام قيمة (س) في كلّ منها مع مفهوم الافتخار:
1. أفتخر بأنّي ناجح.
2. أفتخر بأنّي مُعاق.
3. أفتخر بأنّي كويتي.
من الواضح أن الجملة (1) لا غبار عليها، فالنجاح بوصفه إنجازاً تهفو إليه النفوس وتسعد به القلوب أمرٌ طبيعيّ، خصوصا عندما يكون موضوع النجاح مرتبطاً بأمر يراه الغالبية من الناس أمراً إيجابيا، كالنجاح في الدراسة أو العمل أو العلاقات الاجتماعية، كما أنّ الافتخار من حيث معناه الحرفي له ما يُبرّره، إذْ مِن حقّ مَن جدّ واجتهد أن يسعد بقطف ثمار جِدّه واجتهاده، ولهذا السبب بالذات لا يحقّ لأصحاب النجاح المغشوش الافتخار بنجاحهم (بالمناسبة، في إحدى المرّات طرحت سؤالا أخلاقيا مباشرا على الطلّاب في قاعة الدرس على الوجه التالي: هل تشعرون بتأنيب الضمير عندما تتلقون كلمة «مبروك» بعد نجاحكم في مادة تدركون في قرارة أنفسكم أنكم لا تستحقّون النجاح فيها؟ كانت الإجابة مع الأسف: لا!).
ماذا عن الجملة (2)؟ الإعاقة خصلة سلبية اصطلاحاً، لذا فإنّ المعنى الحرفي لمفهوم الافتخار لا يستقيم هنا، فمن غير المنطقي أن يسعد المرء بكونه معاقاً، لكن إذا كان المقصود بالافتخار معناه المجازي، فإنّ الجملة تبدو معقولة، والأشخاص المصابون بإعاقة يثيرون الإعجاب فعلا عندما لا يخجلون من إعاقتهم من جهة، ولا يسمحون للآخرين بممارسة التمييز ضدهم بسبب تلك الإعاقة من جهة أخرى.
إذا عقدنا مقارنة سريعة بين الجملتين (1) و(2)، فإننا نلاحظ وجهين من أوجه الاختلاف بينهما: الوجه الأول يرتبط بمفهوم الافتخار في كلا الجملتين، فهو افتخار حرفي في الأولى، ومجازي في الثانية، وأمّا الوجه الآخر للاختلاف فمرتبط بقيمة (س) في كليهما، فالنجاح يشير إلى غاية مقصودة ومُخطّط لها، في حين أنّ الإعاقة تشير إلى مصادفة عرضية، وهذا ما يجعل المسؤولية عن النجاح مدعاة للسعادة، وعدم المسؤولية عن الإعاقة مدعاة للتحدّي.
تبقى الجملة (3)، وهي جملة تثير الاستغراب حقاً، فإذا كان المقصود بالافتخار معناه الحرفي، فإنّ من غير المفهوم أن يشعر المرء بالسعادة للإنجاز المتمثل بمصادفة الانتماء إلى بقعة جغرافية تقع على خط العرض 29 درجة شمالا وخط الطول 47 درجة شرقا، وإذا كان المقصود بالافتخار معناه المجازي، فإنّ الانتماء إلى الكويت غير معيب في ذاته، ولهذا فهو انتماء لا يثير التحدّي، خصوصا عندما يعيش الكويتي على أرضه وبين أهله، ومن هنا فإني أعبّر صادقا عن استغرابي من شعار «كويتي وأفتخر»، وهو شعار يشير إلى مشروع انطلق قبل سنوات ويشبه في ألوانه الزاهية مكاتب الموظفات في المؤسسات الحكومية، ولعلنا نتطرّق إليه في مقال قادم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق