عنوان هذا المقال عبارة عن سؤال مباشر، لكنّ الإجابة عنه لا تبدو سهلة، وذلك لأسباب متعددة، بعضها على علاقة بالمنطق، وبعضها الآخر على علاقة بالواقع، ولكن قبل أن ننتقل إلى تبيان هذين النوعين من الأسباب لا بدّ من الإشارة إلى نقطتين: الأولى من باب درء سوء الفهم، والثانية من باب نقد الشوفينية الثقافية، فأمّا النقطة الأولى فهي أنّ الافتخار والحبّ شعوران إنسانيّان غير متلازمين بالضرورة، فكم من أب يحبّ ابنه ولا يملك مع ذلك سببا وجيهاً للافتخار به، وبالمثل، كم من مواطن يعشق تراب وطنه ولا يهتدي إلى سبب مقنع ليفاخر بوطنه على مسرح الأمم المتمدّنة، وأما النقطة الثانية فهي أنّ الفخر عنوان بارز في الأدب العربي، وسِمة مميزة من سمات الثقافة العربية، كما أنّه مرتبط بتمجيد الماضي بقدر ارتباطه بفضح بؤس الحاضر، وهنا إنّما يصدق قول الشاعر:
لئن فخرتَ بآباء لهم شرفٌ
لقد صدقت ولكن بِئس ما ولدوا!
هل من المنطقي أن يتباهى الأخ الأكبر بمجيئه إلى الحياة قبل مجيء أخيه الأصغر؟ وهل من الحصافة أن نفتخر أمام إخواننا المصريين بأنّ الشمس تشرق على الخليج قبل شروقها على النيل؟ بل هل من المعقول أن يفخر المصريون بأنّ أجدادهم الفراعنة شيّدوا الأهرامات قبل آلاف السنين؟ «لا» هي الإجابة الممكنة منطقيا عن كلّ هذه الأسئلة، ذلك أنّ الافتخار بإنجاز أيّ شيء يستلزم مسؤولية حقيقية عن إنجاز هذا الشيء، فلا أحد يستطيع أن يفتخر بمصادفة عرضية لا ناقة له فيها ولا جمل، وقياسا على هذا فإنّ الكويتي المولود لأب كويتي لا يملك أن يفتخر بكونه كويتيا.
لكن لنتجاوز المنطق ونتحدّث عن الواقع، فأغلب شعوب الأرض تفتخر بانتمائها إلى أوطانها، ولكلّ شعب أسبابه الخاصة، فما هي –إذاً– أسبابنا نحن؟ إذا صرفنا النظر عن الأسباب الساذجة والمتعلقة في مجملها بتلك المصادفة الجغرافية التي وضعت في أيدينا ذهباً أسودَ، فإن الإجابة عن هذا السؤال ليست باليسيرة، ذلك أن الافتخار بالانتماء إلى هذه الأرض الطيبة تشوبه شوائب ليست قليلة، فالديمقراطية التي بدأت منقوصة تمادت في نقصانها، وحرية التعبير التي أصابها مدّ وجزر ما لبثت أن اضمحلّت، والفساد الذي كانت أخباره مقصورة على حاسة السمع أصبح «صوت وصورة»!
بإمكانكم أن ترفعوا شعار «كويتي وأفتخر» لتشجيع ثقافة «البزنس» ولوازمها، لكن التعليم الجاد والثقافة الرزينة والإبداع الحقيقي في انحدار مخيف، ولن تنقذها معارض الألوان الزاهية والإبداعات الورقية، ويكفي إلقاء نظرة سريعة على نتائج طلاب الكويت في أولمبياد الرياضيات العالمي –مثلا– لنعرف حجم المأساة، ويبدو أنّ النتائج الكارثية دفعت المسؤولين إلى قرار عدم المشاركة في ذلك الأولمبياد منذ سنوات، والوضع مشابه من حيث النتائج الكارثية في أولمبياد الفيزياء والكيمياء وغيرهما.
حبنا لأوطاننا لا يحتاج إلى سبب، لكن فخرنا بها يحتاج إلى أكثر من سبب!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق