الكويت بلد التنبؤات السهلة، يكفي أن تعرف الاسم الأخير لمواطن كي تتنبأ بالمحافظة– أو ربما حتى بالمنطقة السكنية– التي يقطنها، ويكفي أن تلقي نظرة سريعة على ديموغرافية أي دائرة انتخابية كي تتنبأ بفرص فوز المرشحين فيها، ويكفي أن تعرف اسم ناد رياضي كي تتنبأ بالمذهب الديني لأغلب مشجعيه، ويكفي أن تعرف اسم وزارة أو مؤسسة حكومية كي تتنبّأ بفرصة كل شريحة اجتماعية في الحصول على وظيفة فيها، ويكفي أن تعرف اسم عائلة كي تتنبأ بما إذا كانت حصتها من النفط تأتي على شكل مناقصة حكومية أم على شكل راتب آخر الشهر.
ما الذي يجعل كل هذه التنبؤات سهلة؟ الإجابة عن هذا السؤال أسهل من التنبؤات نفسها، إنها استراتيجية «فرّق تسد»، وهي قديمة قِدم الحضارة الصينية، كما تحدّث عنها ميكيافيللي بإسهاب في كتابه «فنّ الحرب»، وهي الاستراتيجية ذاتها التي لاقت منذ زمن طويل نجاحا منقطع النظير في هذا البلد الصغير، وقد ساهم في هذا النجاح أمران: النفط وضعف مؤسسات الدولة، وهما أمران مرتبطان، فعندما تضعف مؤسسات الدولة، يكفّ المواطن عن المطالبة بحقوقه ليكتفي بانتظار الهبات.
من ضمن نتائج استراتيجية «فرّق تسد» ما نراه اليوم من مظاهر التفكيك الممنهج والمدروس لشرائح المجتمع الواحد، فسياسة الإسكان مسؤولة عن ترسيخ علاقة بدائية بين الهويات الإثنية والدينية من جهة والإحداثيات الجغرافية من جهة أخرى، وعلى أساس هذه العلاقة ارتكزت سياسة تحديد الدوائر الانتخابية، كما أن سياسة التوظيف لم تبرأ من التمييز بين الشرائح الاجتماعية، وبسبب هذا التمييز تباينت الفرص المتاحة في صعود السلّم الاجتماعي وتفاقمت بذلك الفروق الاجتماعية بين أفراد الشعب الواحد.
إلى جانب النتائج، هناك أيضا عواقب وخيمة تعكس قصر نظر استراتيجية «فرّق تسد»، ذلك أنها استراتيجية تقتصر على شؤون الداخل من دون أدنى اعتبار لشؤون الخارج، فالأحداث الإقليمية المشتعلة من حولنا، والنعرات الطائفية المتفاقمة في محيطنا، لم تكن لتلقى صدى في مجتمعنا لولا طغيان مشروع الحكم على مشروع الدولة، وشتان بين المشروعين، فالأول يفرّق لتسود السلطة، والثاني يجمع ليدوم الوطن!
دعا الكثير من المخلصين إلى تحصين الجبهة الداخلية من خلال تبني الخيار الديمقراطي، فهل ستلقى هذه الدعوة المخلصة استجابة سريعة لحفظ الوطن من شرور أعدائه، أم أنّ «مينيرفا» لا تُرفرف بجناحيها إلا بعد حلول الظلام؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق