بشكل عام، لا يتمتع القطاع العام بسمعة جيدة من حيث كفاءة العمل ومستوى جودة الخدمات التي يقدّمها للمستهلكين، وقد اتخذ معظم أرباب القطاع الخاص من هذه السمعة السيئة حجة مفادها أنّ الخصخصة هي الحلّ الأمثل لتجاوز الترهّل الإداري والوهن الرقابي في القطاع العام، وتجنّب الفساد المستشري فيه، وبذلك يرى أنصار الخصخصة أنّ من شأن تحويل مُلكية القطاع العام إلى القطاع الخاص تحسين الكفاءة ورفع مستوى جودة الخدمات، ولكنّ المؤلف يبيّن تهافت هذه الحجة من خلال استحضار الافتراضات المغلوطة التي تقوم عليها، فالحجة تفترض، أولا، أنّ تصفية الدور الاقتصادي للدولة هي الطريقة المثلى لمعالجة الخلل الإداري في أيّ قطاع حكومي، في حين أنّ من الممكن معالجة الخلل المتعلّق بالإدارة من دون الحاجة إلى بيع الجمل بما حمل على القطاع الخاص، كما أنّ الحجة تفترض، ثانيا، أنّ الفساد الإداري مقتصر على القطاع العام، في حين أنّ "واقع الحال يوضح أنّ القطاع الخاص خصوصا في الدول النامية، ومن ضمنها الكويت بالطبع، لا يقلّ عن القطاع العام من ناحية سوء الأداء وانتشار الفساد" (ص. 37)، كما ذهب المؤلف في تفنيد هذه الحجة إلى أبعد من ذلك من خلال طرح السؤال التالي: عندما يزعم دعاة الخصخصة أنّ الأجهزة الحكومية فاسدة وغير كفؤة بحكم نوع مُلكيتها، فكيف ستقوم الدولة بدورها الإشرافي والرقابي الذي من شأنه الحدّ من فساد قطاع يهدف في المقام الأول إلى تحقيق الربح المباشر والسريع؟!
يزعم نفرٌ من أرباب القطاع الخاص أنّ من شأن الخصخصة أيضا المساهمة في توسيع قاعدة المُلكية من خلال كسر "احتكار الدولة"، ومن جديد يبيّن المؤلف تهافت هذا الزعم من خلال التأكيد على حقيقة أنّ مفهوم "الاحتكار" مرتبط بالمُلكية الخاصة لا المُلكية العامة، حيث كتب يقول إنّ "مفهوم الاحتكار يتعارض منطقيا مع مفهوم المُلكية العامة (أي مُلكية الجميع)، فالاحتكار يفترض عدم أحقية طرف واحد على الأقل في المُلكية، في حين أنّ المُلكية العامة تعني اصطلاحا عدم وجود مثل هذا الطرف، ومن هنا فإنّ جوهر الخصخصة هو احتكار عدد محدود من الأشخاص أو فئة اجتماعية لمورد عام عن طريق نزع مُلكية هذا المورد من فئات اجتماعية أخرى، وبالتالي يصبح من المنطقي القول إنّ الدعوة إلى كسر احتكار الدولة عن طريق الخصخصة تنطوي في واقع الأمر على دعوة إلى كسر احتكار لا وجود له من الأساس" (ص. 41).
ينتقل المؤلف إلى تفنيد حجة أخرى مفادها أنّ الخصخصة تساهم في دعم ميزانية الدولة، حيث يؤكد حقيقة أنّ نقل المُلكية في ذاته لا يضمن تعزيز الإيرادات الحكومية، بل قد يكون العكس هو الصحيح، خصوصا عندما تكون الخصخصة متعلقة بقطاعات حكومية ذات جدوى اقتصادية مرتفعة، الأمر الذي يحرم ميزانية الدولة من إيرادات هذه القطاعات المربحة من جهة، ويكشف عن شبهة التنفيع الحكومي لمجاميع تجارية من جهة أخرى.
يطرح دعاة الخصخصة حُججاً إضافية يتصدّى لها المؤلف الواحدة تلو الأخرى، فالخصخصة لا تقضي على البطالة بل تساهم في تفاقمها، والخصخصة لا تؤدّي بالضرورة إلى تشجيع المنافسة وكسر احتكار السوق بل على العكس من ذلك تماما، والخصخصة لا تعزّز الديمقراطية بل تعمل على تقويضها من خلال انتقال السلطة من رجال البرلمان إلى رجال الأعمال من جهة، وتحوّل الأفراد من مواطنين فاعلين إلى مجرّد زبائن مستهلكين!
يتبع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق