في كلّ بلد شريحة متعلّمة، والكويت ليست استثناء من هذه القاعدة، ومن ضمن كل شريحة متعلمة أفراد سمحت لهم ظروفهم الدراسية في الإقامة لسنوات عدّة في بلدان تمتاز بتوفير بيئة علمية مرموقة من جهة، وبيئة ثقافية متنوعة من جهة أخرى، ومن ضمن هؤلاء الأفراد شخصيات عامة لها حضور في وسائل الإعلام وتأثير في الرأي العام، لكن ما إنْ يفتح أغلب المنتمين إلى هذه الفئة أفواههم حتى تبرز المفارقة التي هي موضوعنا في هذا المقال.
تكمن المفارقة في هذا التناقض بين محتوى حديث الفرد وخلفيته التعليمية والثقافية، ولتبيان وجه هذا التناقض، لا بد لنا أولا من إشارة سريعة إلى بعض القيم الأخلاقية الناتجة عن الاستفادة من تعليم متميز والتفاعل مع ثقافات متعددة، مثل النزاهة الفكرية والتسامح واحترام حقوق الإنسان، ولا نعني بطبيعة الحال أنّ التعليم المتميز والثقافة المرموقة يضمنان إنتاج أفراد يتحلّون بهذه القيم الأخلاقية، ولكن ما نعنيه هو أنّهما يضمنان– على الأقل– إنتاج أفراد يخجلون من المجاهرة في التعدّي على مثل تلك القيم الأخلاقية.
من بين الشخصيات المؤثرة في الوسط السياسي والثقافي، هناك أفراد درسوا في أرقى البيئات العلمية واختلفوا إلى أرحب البيئات الثقافية، ومع ذلك فإنّ سلوكهم اللفظي يشي بأنّ عقولهم لم يكن لها نصيب في تلك التجربة الثرية! منهم مَن يفتقد أبجديّات النزاهة الفكرية فلا يرى في الأيديولوجية المفضلة لديه عيبا أو نقيصة، ومنهم مَن يفتقر إلى الحدّ الأدنى من التسامح فلا يتورّع عن المجاهرة في عنصريته أو طائفيته، ومنهم مَن يعوزه القدر الكافي لفهم الطبيعة البشرية فلا يقيم وزنا للإنسان وحقوقه الطبيعية.
لولا التأثير الكبير الذي يُحدثه هذا النوع من الأفراد على عقول الآلاف من الشباب لما أضعنا وقتنا في الالتفات إليهم، ولولا هذا الصمت المريب عن هذه "النخبة" التي لا يستحي بعض أفرادها من الجهر بالدعوة إلى تصفية الخصوم أو نفيهم لما تجشّمنا عناء الخوض في هذا الموضوع، ولكنّ الأمل معقود بإحياء الروح النقدية بين صفوف الشباب بحيث لا يصدّقون كلّ ما يسمعون ونصف ما يرون.
ليس هذا التناقض على مستوى الأفراد إلاّ انعكاساً لتناقض آخر على مستوى الدولة، فالكويت التي لها باع طويل في إرسال البعثات الدراسية هي نفسها الكويت التي تقاوم الانتقال من مجتمع العشيرة إلى المجتمع المدني، ولا ريب في أنها نجحت إلى حدّ كبير في مقاومتها هذه، وبعض الفضل في هذا النجاح يعود إلى أولئك الذين خاضوا تجارب ثرية وعادوا بعقول بائسة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق