الإضراب سلوك احتجاجي من حيث الشكل، وهو من حيث المضمون يقع في منتصف الطريق بين العصيان المدني والمظاهرة السلمية، فشرعية الإضراب تجعله أقلّ فداحة من العصيان المدني من الناحية القانونية، والقدرة التفاوضية التي يتضمنها الإضراب تجعله أشدّ تأثيرا من المظاهرة السلمية من ناحية تحقيق الأهداف المرجوّة، وبعبارة أخرى، أهمّ ما يمّيز الإضراب عن هذا وذاك هو أنه سلوك احتجاجي يستخدم أدوات النظام القانوني-البيروقراطي للدولة لإحداث ضغط من الخارج على هذا النظام.
عندما تكون السلطة السياسية منحازة إلى مصالح أرباب القطاع الخاص، وعندما لا تقوم مؤسسات الدولة بوظائفها على أكمل وجه، فإنّ لجوء الشرائح العمّالية من موظفين ومهنيين إلى وسائل الضغط من داخل النظام مصيره الفشل المحقق، ولا خيار أمام هذه الشرائح سوى الضغط الخارجي والمتمثل بالإضراب عن العمل، وأغلب المكتسبات العمّالية على مرّ التاريخ جاءت بفضل هذا الضغط الخارجي الذي يرفض الاحتكام إلى منظومة سياسية تتحكّم فيها أطراف تؤدي دور الخصم والحكم معاً.
على ضوء ما تقدّم تبرز أهمية الإضراب العمالي في الكويت، فهي لا تقتصر على الدفاع عن حقوق الموظفين في القطاع النفطي، كما لا تقتصر على الذود عن ثروات الشعب والوقوف ضدّ بيعها إلى أقلية متنفذة، بل إنّ أهمية الإضراب تذهب إلى أبعد من ذلك من خلال محاولة خلق شكل آخر من أشكال المعارضة السياسية، وهو أمر يأتي في أحلك الظروف بعد أن تمادت الأقلية المتنفذة في إحكام سيطرتها على مؤسسات الدولة.
بقي أن نقول ما يجب قوله، وهو أن عمّال البترول من المضربين يتعرّضون إلى هجوم يزداد شراسة يوما بعد يوم، وفيه من التخوين والتهديد والتشويه ما يُطاق وما لا يُطاق، ومع ذلك فقد أثبتوا، رجالا ونساء، أنهم أعظم حبّا لوطنهم مما يظن خصومهم، وأشد بأسا وإصرارا ممن يتوعدونهم بعواقب الأمور، وأنقى طُهرا من أن يُطعنوا في أخلاقهم أو أن يلتفتوا إلى اتهامات المرتشين ومن في قلوبهم مرض، وكلّنا أمل في أن يُحسنوا التعامل مع مناورات خصومهم في الأيام القادمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق