في مقال سابق، ذكرنا أنّ الأمور تبلغ من السوء بحيث أضحى الحديث عن المقاطعين والمشاركين في انتخابات "الصوت الواحد" مجرّد تحصيل حاصل لموقف كلا الطرفين من انفراد السلطة بالقرار السياسي، ونريد هنا أن نؤكد هذه الحقيقة من خلال الوقوف عند ثلاثة مواقف متباينة من الانتخابات القادمة.
1- ضد "الصوت الواحد" وضد "المشاركة"
يمتاز هذا الموقف بالاتساق من الناحيتين المنطقية والواقعية، فمن الناحية المنطقية، الاعتراض على مرسوم "الصوت الواحد" يقتضي بالضرورة رفض المشاركة في انتخابات "الصوت الواحد"، ومن الناحية الواقعية، لم يستجد ما من شأنه إزالة أسباب الاعتراض على انفراد السلطة بتعديل النظام الانتخابي، بل إنّ كل المستجدات في موقف السلطة من هذه القضية تحديدا ساهمت في تعزيز أسباب الاعترض سالف الذكر! هناك الكثيرون ممن يعيب على سياسة "المقاطعة" عدم فاعليتها، وقد غاب عن هؤلاء أمران: الأمر الأول، هو أنهم هم أنفسهم من ساهم ويساهم في "عدم فاعلية المقاطعة" بعد أن تخاذلت مواقفهم تجاه الاعتراض على نهج السلطة، وستبقى سياسة المقاطعة غير مؤثرة بالقدر الذي يزداد فيه المتخاذلون تخاذلا، وأما الأمر الثاني فيشير إلى حقيقة أنّ المقاطعة نتيجة لموقف معارض لنهج السلطة أكثر من كونها وسيلة ضغط، فمع استمرار الظروف الراهنة، قد لا يؤدي قرار مقاطعة عدد لامتناه من الانتخابات القادمة إلى أي نتيجة إيجابية، ولكنه مع ذلك لن يكون قرارا متناقضا مع الاعتراض على انفراد السلطة بتعديل النظام الانتخابي، في حين أن قرار المشاركة لمرة واحدة فقط في ظل الظروف الراهنة يضمن استمرار النهج الحالي للسلطة، فضلا عمّا يتضمنه هذا القرار من مباركة هذا النهج وإقرار غير مشروط بالانصياع!
2- مع "الصوت الواحد" ومع "المشاركة"
يمتاز هذا الموقف بالاتساق من الناحية المنطقية، فالتأييد لمرسوم "الصوت الواحد" يقتضي بالضرورة تأييد المشاركة في انتخابات "الصوت الواحد"، ولكن عندما نفحص أسباب اتخاذ مثل هذا الموقف، يتبيّن عندها مدى تناقضه من الناحية الواقعية، فلا الطائفية اضمحلّت بل تفاقمت، ولا الحريات ازدهرت بل تلاشت، ولا الفساد انحسر بل تمادى! بقي أن نضيف أنّ هذا الموقف هو موقف المنضوين تحت لواء السلطة، ليس لأنهم جميعهم مع السلطة بالضرورة، بل لأننا لا نستطيع التفريق بين موقفهم وموقف السلطة!
3- ضد "الصوت الواحد" ومع "المشاركة"
هذا موقف المتناقضين من الناحيتين المنطقية والواقعية، والدفاع عن موقف متناقض بهذا السوء أشبه بالدفاع عن صحة القول بأنّ "الأعزب شخص متزوج" أو "1+1= 3"! ينقسم مناصرو هذا الموقف إلى فريقين من حيث درجة التناقض: فريق كان ولا يزال ضد المرسوم ومع المشاركة، وفريق كان ولا يزال ضد المرسوم لكن مع "استئناف المشاركة"، فأمّا الفريق الأول فمتّسق في تناقضه، وأمّا الفريق الثاني فَيُفضّل التناقض على الاتساق! شعار الفريقين: "المقاطعة لم تأت بنتيجة"، وهو شعار يعكس- كما ذكرنا- خللا في فهم جوهر سياسة "المقاطعة"، فمقاطعة الانتخابات ليست مجرّد وسيلة لإحداث تغيير إيجابي في نهج السلطة، بل هي نتيجة منطقية وواقعية فرضها موقف مبدئي ضد انفراد السلطة بالقرار السياسي، ولهذا فإن هناك فرقا كبيرا بين أن نقول "نحن ضد المشاركة من غير شروط، ولهذا السبب نقاطع"، وأن نقول "لنجرّب المقاطعة لعلها تنجح فنشارك، ولعلها تفشل فنشارك أيضا"!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق