اكتسح اللون الأزرق الحياة السياسية، تبدو الكويت كأنها سفينة تتلاطمها الأمواج في عُرض البحر، وأمّا اللون البرتقالي فلم يبق من أثره سوى هذا الشحوب على وجه شمس أوشكت على المغيب! أجل، اكتسحت الزرقة حياتنا السياسية حتى طغى التشكيك في جدوى المقاطعة على التشكيك في جدوى المشاركة، كما أضحت البراغماتية الميكيافيلية عنوانا للمرحلة القادمة، ولكنها حتما ليست العنوان الوحيد، فإلى جانب حسابات الربح والخسارة، من المرجّح أن يشهد البرلمان القادم موجات من المعارك الأيديولوجية الفارغة بين يمين متطرّف ويمين آخر لا يقلّ تطرفا عنه، وبذلك ستكون الطائفية الدينية أحد أهم عناوين المرحلة القادمة.
لطالما شهد مجلس الأمة صراعات مذهبية شتى، ولكن الجديد في النزاع الطائفي القادم يتمثّل بأمرين: الأمر الأول، هو وجود مؤشرات على أن أحد أسباب عودة الأحزاب الرجعية إلى المشاركة في الانتخابات القادمة يشير إلى محاولة تلك الأحزاب إلى إعادة التوازن الطائفي بما يتناسب مع الطبيعة الديموغرافية المذهبية في الكويت، وهي محاولة بالغة الخطورة وستلقي بظلالها مبكرا على الحملات الانتخابية للمجلس القادم، وأما الأمر الثاني فيشير إلى حقيقة أن العجز السياسي الذي فرضه مرسوم "الصوت الواحد" على مجلس الأمة سيجعل من الشحن الطائفي بديلا عن مناكفة السلطة، ولعلّ في تجربة البرلمان الحالي مؤشرات على هذه الحقيقة، ولا مناص من ارتفاع شدة الشحن الطائفي مع عودة الأحزاب الرجعية إلى المشاركة.
لا تكمن خطورة الشحن الطائفي على الساحة السياسية في تقويض أركان المجتمع فحسب، بل إنها تتعدّى ذلك إلى صرف الأنظار عن المشكلات الحقيقية التي يعانيها الجميع، ولعلّ أولها الفساد المالي-الإداري الذي سيظلّ المسؤول الأول عنه هو السلطة ومشتقاتها، وفي ظلّ انعدام توافر شروط المحاسبة السياسية الحقيقية، سيشغل اليمين الديني الساحة بنزاع طائفي بغيض، في حين يغتنم اليمين الانتهازي الفرصة في استكمال عملية الاستحواذ على مقدّرات البلد، فلا اليمين الديني يتمتع بالقدر الكافي من الحسّ العقلاني كي ينصرف عن الانشغال بالماضي إلى الانشغال بالحاضر، ولا اليمين الانتهازي يمتلك الحدّ الأدنى من الحسّ الإنساني كي ينصرف عن الانشغال بحاضره إلى الانشغال بمستقبل غيره!
"ما جدوى المقاطعة؟"، يتساءل بعض المشاركين بنبرة ساخرة! إذا كان المقصود بجدوى المقاطعة النجاح في الحدّ من انفراد السلطة بالقرار السياسي، فإنّ الجدوى معدومة في ظلّ اتشاح الكويت باللون الأزرق، لكن إذا كان المقصود بجدوى المقاطعة رفض الانحياز إلى طرف ضد طرف آخر في مسرحية الطائفية السخيفة، ورفض المساهمة في شرعنة عملية نهب خيرات البلد ومدّخرات الأجيال القادمة، فإن الجدوى من مقاطعة الانتخابات كمثل الجدوى من إبقاء الضمائر حيّة، وستبقى كذلك ما بقيت الرؤوس شامخة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق