ليست مقاطعة الانتخابات مسألة مبدأ، وإنّما المبدأ يشير إلى قضية رفض انفراد السلطة بالقرار السياسي، وبالقياس إلى هذه القضية تحديدا يُمكن تقدير مدى جدوى المقاطعة أو المشاركة، ولهذا فإنّ السؤال الجوهري الذي ينبغي أن نطرحه على أنفسنا قبل أن نشارك أو نقاطع هو: هل نحن ضد انفراد السلطة بالقرار السياسي؟ إذا كانت الإجابة هي "نعم"، فإنّ الذين يتطلّعون إلى الانتخابات المقبلة هم المعنيّون بتبرير جدوى المشاركة بدلا من التعذّر بعدم جدوى المقاطعة.
إذا كنا متفقين على المبدأ أعلاه، فإن الهدف من المقاطعة هو نفسه الهدف من المشاركة، ونعني به كسر احتكار السلطة للقرار السياسي، ولذلك فإنّ تكرار الحديث الطويل عن عدم جدوى المقاطعة في تحقيق هذا الهدف يفترض ضمنا جدوى المشاركة في تحقيق الهدف نفسه، ومع ذلك فإنّ أقصى ما يُمكن أن يأتي به دعاة المشاركة حول هذه النقطة هو محاولة انتخاب عدد معقول من المرشحين "السوبر"، وهذا تسطيح معيب لا ينبغي أن يصدر ممن لهم باع طويل في العمل السياسي، فالقضية ليست قضية قوة أشخاص بل متانة مؤسسات، وفي ظل الظروف الراهنة لا معنى للحديث عن مجلس يحظى بإعجاب الشعب في الوقت الذي ندرك فيه جميعا أنّ الأهم هو أن يحظى المجلس بإعجاب السلطة، وخير شاهد على هذه الحقيقة هو تزايد وتيرة حلّ المجلس في السنوات العشر الأخيرة من خلال تفعيل المادة (107) من الدستور.
لا يخفى على دعاة المشاركة انحياز الدستور للسلطة، وهو انحياز جعل استمرار أي مجلس لمدة أربع سنوات مرهوناً بإرادة السلطة وحدها، كما لم ينص الدستور على سقف أعلى لعدد مرات حلّ المجلس خلال فترة زمينة معينة، وأمّا النص على عدم جواز الحلّ للأسباب ذاتها مرة أخرى، فإنّ في اللغة العربية متسعاً لصياغة السبب نفسه بألفاظ مختلفة، وإذا كان هذا هو واقع الحال، فمن حقنا أن نضع علامة استفهام كبيرة على تلك الثقة المفرطة من قِبل البعض في جدوى المشاركة.
لقد ساهم التفعيل المتعاقب للمادة (107) من الدستور في عدم حاجة السلطة إلى خيار الحلّ غير الدستوري، في حين ساهم مرسوم "الصوت الواحد" في عدم حاجة السلطة حتى إلى خيار الحلّ الدستوري، وبهذا اكتمل الانتقال من مرحلة "الفيتو" ضدّ خيار الشعب إلى مرحلة ضمان انسجام خيار الشعب مع خيار السلطة، الأمر الذي يعني أنّ حالة الانتكاس الحالية وصلت إلى درجة تضاؤل فرصة الإتيان بمجلس يدفع السلطة إلى مجرّد تكبّد مشقة استخدام حق "الفيتو"! إذا كان هذا هو واقع الحال، فإنّ جدوى المشاركة لا تتعدّى ضمان استمرار مجلس صوري آخر لمدة أربع سنوات قادمة.
أخيرا، يحثّ دعاة المشاركة المقاطعين على "عدم ترك المجلس لأتباع السلطة"، وقد نتفهّم ذلك على مضض لو أنّ كلمة "المجلس" بعد صدور مرسوم "الصوت الواحد" تعني ما كانت تعنيه قبل صدور ذلك المرسوم، وأمّا في ظلّ استمرار الوضع القائم فإنّ دعاة المشاركة هم المطالبون بعدم تكريس المجالس الصورية، ثم إنّ التضحيات الجسام التي قدّمها ثُلّة من المقاطعين تتعدّى رفض المرسوم إلى رفض الاستمرار في ثنائية عقيمة بين مجلس قوي ذي عمر قصير ومجلس ضعيف ذي عمر طويل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق