لدينا اليوم شهادة مختومة من "بان كي مون" تفيد بأننا نعيش في "بلد الإنسانية"، ولدينا بالأمس مهرّج رفع شعار "الكويت للكويتيين فقط" فصار نائباً ودخل البرلمان، وعلى ضوء هاتين الحقيقتين لا بدّ لنا من أن نصل إلى استنتاج مفاده أنّ بلد الإنسانية للكويتيين فقط! إذا بدا هذا الاستنتاج متناقضا، فإنّ السبب في ذلك يعود إلى حقيقة أنّ شهادة "بان كي مون" في حقّنا تتعارض مع شهادتنا في حقّ أنفسنا، وبما أنّ المرء أدرى بحاله، فلا يبقى أمامنا خيار سوى أن نأخذ ما يقوله الأمين العام "بقليل من الملح" كما يقول المثل الإنكليزي!
في الآونة الآخيرة، أصدر وزير الصحة قرارا بتخصيص مستشفى للكويتيين فقط، وبالنظر إلى مظاهر التطبيق الفعلي لشعار "الكويت للكويتيين فقط" في أغلب مناحي الحياة في هذا المجتمع الصغير، فإنّ وجه الغرابة الوحيد في قرار الوزير يكمن في أنّه قرار جاء متأخراً على غير العادة، ولذلك لم يوفّق أحد نوّاب مجلس "الصوت الواحد" بوصفه قرار الوزير بالقرار "الشجاع"، فالقرار السياسي الشجاع يفترض وجود تعارض بين محتوى القرار والرأي العام، في حين أنّ استطلاع الرأي العام الذي أجرته "الجريدة" في الأسبوع الماضي حول هذا الموضوع يفيد بحقيقة أنّ غالبية المواطنين مع قرار الوزير!
الطريف في دفاع وزير الصحة عن قراره هو قوله إنّ "القرار لا يوجد فيه أي تمييز أو عنصرية طالما كان العلاج نفسه متوافرا للكويتيين ولغير الكويتيين"! حسنا، لكن إذا كان العلاج نفسه متوافرا للكويتيين ولغير الكويتيين، فما الذي يدفع الوزير إلى توفير خدمة علاجية إضافية ومقصورة على الكويتيين فقط؟ إذا كان الجواب يكمن في معاناة الازدحام في المرافق الطبية، فإنّ الجميع على حدّ سواء، كويتيين ووافدين، شركاء في هذه المعاناة، وإذا قيل إنّ الكويتيين أحقّ من غيرهم في الاستفادة من الخدمات التي تقدمها الدولة، فإنّ في هذا القول تأكيدا على العنصرية والتمييز في شعار "الكويت للكويتيين فقط"! ينبغي أن نضيف أن دفاع الوزير عن قراره يتضمّن اعترافا حكوميا بالتمييز ضد غير الكويتيين في القطاعات الحكومية الأخرى التي تقتصر فيها الخدمة المقدّمة على الكويتيين ولا تتوافر لغير الكويتيين، ولفئة "البدون" منهم على وجه الخصوص.
لا يفرّق المرض بين كويتي ووافد، ومع ذلك نأبى إلّا أن يكون بينهما برزخٌ فلا يلتقيان، وإذا كُنا قد اعتدنا التنازل عن الحسّ المدني من خلال تكريس التمييز ضد غير الكويتيين في مجالات عديدة، كالتعليم والتوظيف وغيرهما من المجالات التي تصل حتى إلى نطاق التعاملات الشخصية اليومية، فهل ينبغي أيضا أن نعاند الطبيعة بحيث نحرص على تمييز ما لم تجد الطبيعة نفسها ضرورة في تمييزه؟
قبل سنوات قليلة، انتقلت كلية التربية الأساسية إلى مبناها الجديد في منطقة العارضية، وانتهجت أغلب الأقسام العلمية طريقة عنصرية في توزيع مكاتب أعضاء هيئة التدريس، بحيث تم استثناء الزملاء الوافدين من عملية الاقتراع على اختيار مكتب لكلّ عضو هيئة تدريس، ولا يقتصر هذا النفس العنصري على توزيع المكاتب فقط، بل يتعدّاه إلى سياسات التوظيف والترقيات وحتى حقّ الانضمام إلى رابطة أعضاء هيئة التدريس، وإذا كان هذا النفس العنصري طاغيا في المجال الأكاديمي، فليس من الغرابة أن تأتي استطلاعات الرأي مؤيدة لقرار وزاري يرى أن "قسم أبقراط" غارق في المثالية، وهو غارق في المثالية فعلا، فالمثالية هي التهمة التي نُلصقها بأولئك الذين يدلوننا على فشلنا في الاستماع إلى صوت ضمائرنا!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق