عنوان هذا المقال لا يخلو من غرابة، ومصدر
الغرابة هو أنّه عنوان يشير إلى مفهومين لا وجود لهما، أو على الأقل، ما كان ينبغي
لهما الوجود من الأساس، فلو كُنّا نعيش في مجتمع ينبذ العنصرية من جانب، وينشد
العدالة من جانب آخر، لذاب المفهومان وانصهرا في مفهوم واحد: شعب الكويت! تجدر
الإشارة، مع ذلك، إلى الحقيقة التالية، وهي أنّ كل مفهوم، وبصرف النظر عمّا يُشير
إليه، ليس سلبيا في ذاته، بل إنّ السلبية ناتجة عن كيفية استخدامنا للمفهوم، ولا
نستثني من ذلك مفهومي "أهل الكويت" و"بدون الكويت". لنوضح هذه
النقطة من خلال التوقف عند كلا المفهومين على حدة.
إلامَ يشير مفهوم "أهل الكويت"؟
لا يشير في ظاهره إلّا إلى مجموعة من البشر اتخذت من بقعة جغرافية وطنا لها، وفي
حدود هذا المعنى الظاهري لا يُعدّ هذا المفهوم سلبيا في ذاته، وإنّما السلبية
ناتجة عن استخدامه بطريقه فيها تحريف لما يشير إليه، فعلى سبيل المثال، عندما تكشف
العنصرية عن وجهها القبيح، فإنّ مفهوم "أهل الكويت" سيشير إلى مجموعة من
المعتوهين ممن يدفعهم الإحساس بالانتماء إلى بقعة جغرافية عن طريق التوارث إلى
الاعتقاد بمُلكية تلك البقعة، وبذلك يتحول مفهوم "الوطن" إلى مجرد عزبة،
ويتحوّل مفهوم "المواطنة" إلى مجرد بطاقة عضوية للانضمام إلى نادي
المعتوهين! عندما نقول إن العنصري إنسان معتوه، فإننا لا نقدّم تقييما، بل مجرّد
وصف لحالة مرضية، فالعنصرية، وإنْ كانت مرتبطة بأسباب سياسية-اقتصادية، فإنها مع
ذلك تعبّر عن مرض نفسي بامتياز، ذلك أنّ العنصرية في جوهرها شعور بالنقص يتمّ
تجاوزه عادة من خلال تضخيم الذات على حساب تحجيم الآخر، بمعنى آخر، العنصرية سلوك
عدواني تجاه الآخر في سبيل معالجة شعور "الأنا" بالدّونية، كما أنّ وصف
الإنسان العنصري بالمعتوه يعود إلى حقيقة أنه إنسان تخلّى عن عقله من جرّاء شعوره
بالدونية، وتخلّى عن ضميره من جرّاء سلوكه العدواني.
"بدون الكويت" مفهوم لا يختلف عن
سابقه من حيث أنه يشير أيضا إلى مجموعة من البشر اتخذت من بقعة جغرافية وطنا لها،
فكلمة "بدون" لا تشير إلى كائنات فضائية بل إلى مجموعة من البشر، وفي
حدود هذا المعنى الظاهري لا يُعدّ مفهوم "بدون الكويت" سلبيا في ذاته، وإنّما
السلبية ناتجة عن استخدامه بطريقة مغلوطة وفيها مصادرة لحقّ الآخرين في الانتماء
إلى وطن، ذلك أنّ كلمة "بدون" تعني "بدون جنسية"، والجنسية هي
علاقة انتساب إلى دولة، في حين أنّ الوطنية هي علاقة انتساب إلى وطن، وبذلك فإنّ
تعذّر الانتماء إلى دولة لا يترتّب عليه بالضرورة تعذّر الانتماء إلى وطن، وإذا
كان من حقّ أي دولة تحديد قائمة الأفراد المنتسبين إليها، فإنّ من حقّ أيّ فرد تحديد
انتمائه إلى أيّ وطن يشاء! عندما نقول إنّ من حقّ أي دولة تحديد قائمة الأفراد
المنتسبين إليها، فإنّنا لا نعني أنّ الأمر مرهون بمزاج السُّلطة، بل ينبغي لموضوع
الجنسية أن يكون خاضعا إلى معايير موضوعية غير مرتبطة بالأصل أو المذهب أو غيرهما
من معايير متعلّقة في مجملها بمصادفات بيولوجية أو ثقافية.
على ضوء ما تقدّم، يبدو من الواضح أن النفس
العنصري هو الذي يقف وراء الاستخدام الشائع والمغلوط لمفهومي "أهل الكويت"
و"بدون الكويت"، ففي ظلّ هذا النفس البغيض، ليس كلّ مَن يحمل الجنسية
الكويتية كويتيّا، وكلّ مَن لا يحمل الجنسية الكويتية ليس كويتيا، وبذلك تتكشّف
ازدواجية معيار "الجنسية" لتفضح لاعقلانية السلوك العنصري، فتارة يتم
التعامل مع الجنسية بوصفها معيارا قانونيا غير كاف، وتارة يتم التعامل معها بوصفها
معيارا قانونيا كافيا! عندما يتغلغل هذا النفس العنصري في مؤسسات الدولة ليتحوّل
إلى سياسة تتبنّاها السلطة التنفيذية، فلا غرابة في تفتيت نسيج المجتمع وزرع
الفرقة بين أفراده من جانب، وشنّ حرب لاإنسانية على شريحة اجتماعية لم تُنصفها
الحكومات المتعاقبة من جانب آخر.
بطبيعة الحال، "الجنسية الكويتية
مُكلفة" حسب قاموس أعضاء نادي المعتوهين، ولهذا هُم ضدّ توسيع دائرة
المُجنّسين، أي هُم ضدّ مشاركة ثروات البلد مع شريحة اجتماعية يعيش أغلب أفرادها
ظروفا مادية تزداد سوءا في ظل السياسة اللاإنسانية لما يُسمى "الجهاز
المركزي"، ومع ذلك لم ولن نسمع من أعضاء نادي المعتوهين نبرة احتجاج واحدة
ضدّ استئثار عوائل لا يتعدّى عددها أصابع اليد الواحدة بالنصيب الأكبر من ثروات
البلد!
بطبيعة الحال أيضا، "التجنيس سيجلب
العادات الدخيلة" إلى نادي المعتوهين، وكأنّ الكويت لم تكن عبر تاريخها
مجتمعا مفتوحا اختلطت فيه اللهجات والأعراق والمذاهب، وكأنّ ثقافتها لم تتأثر أبدا
بالهند شرقا وأفريقيا غربا! لكن العقلية العنصرية لا تزدهر إلّا في ظلّ مجتمع
منغلق، حتى لو تطلّب الأمر اقتصار أفراد هذا المجتمع المنغلق على حفنة من
المعتوهين!
هناك 4 تعليقات:
مقال موفق وتحليل موضوعي بوركتم
مقاله رائعه بوركت جهودك دكتور للدفاع عن المظلومين والبسطاء وشكرأ لانسانيتك
وبئسآ لمن يتشدقون بتقدميتهم وبيساريتهم من كتاب وحقوقين وسياسين ومن يمتهنون الدين ويقضون النظرعن معاناة الفقراء والمظلومين
من نعمة الله علي أنني ولدت بدونا في الكويت. تعلمت في مدارسها و جامعتها، و هذا أنا الآن مواطن أمريكي بالإختيار، و أولادي مواطنين بالولادة. لقد أبعدنا الله عن نادي المعتوهين الأبدي، إلى نادي المعتوهين قصير الأجل الذي صوتنا ضد كبيرهم و أخرجناه من البيت الأبيض.
إنسااااااان يا أستاذ فهد
دمت للوطن وللانسانية ذخراً
إرسال تعليق