هذه رسالة تذكير بأنّ هناك سجينًا اسمه "راشد
صالح العنزي"، وهو شابّ وطنيّ تمّ الحُكم عليه مؤخرا بالسجن في قضية سياسية
في جوهرها وتُعرف باسم "قضية دخول المجلس"، وبدلا من أنْ يلجأ "راشد"،
كما فعل غيره، إلى خيار الهروب إلى خارج البلاد قبل صدور الحُكم، وهو خيار مشروع
ومُبرّر من دون شكّ، آثر أن يذهب بكامل إرادته لِيًسلّم نفسه إلى سجّانه!
هذه رسالة تذكير موجهّة إلينا جميعا في هذا البلد
الصغير، وبصرف النظر عن مدى قُرب كلّ منا أو بُعده عن أرباب السُّلطة، فإذا كان
لونك المفضّل هو الأسود أو الأبيض لوصف أحداث ذلك الأربعاء الشهير، وإذا كنتَ
تُسمّي ما جرى "اقتحاما" أو "دخولاً"، بل حتى لو لم تكن مع
هذا الفريق أو ذاك، فإنّ هذه الرسالة ستظلّ مع ذلك مُوجهة إليك، فالثمن الذي دفعه "راشد"
من أجلنا جميعا لا يحقّ لنا أصلا أن ننساه.
لم يرفض "راشد" خيار الهروب وحسب، بل إنّه
رفض مِن قبل خيارات أخرى كانت متاحة أمامه، فعندما خرج مع المتظاهرين في تلك
الليلة احتجاجا على سُرّاق المال العام، كان بإمكانه أن ينزوي كما انزوى العديد من
الشباب الكويتي بعيدا عن قضايا الشأن العام. كان بإمكانه، مثلا، أن يُتابع مباراة،
أو ينشغل بأسهم البورصة، أو يتغزّل بفتاة، أو حتى أن يحضر ندوة في صالون ثقافيّ
حول "الضرورة الشعرية عند ابن جنّيّ"، ولكنه رفض كلّ هذا الترف وآثر
الاهتمام بقضايا لا يجرؤ على التصدّي لها إلّا مَن أنكر ذاته كي يحظى الجميع بوطن
أكثر عدلاً وأقلّ بُؤسًا.
عندما تسخر الأقدار بنا، فإنها تدفعنا إلى الضحك
والبكاء في آن واحد، ومن سخرية الأقدار أنْ تُدافع
عن المال العام في وجه الفاسدين المرتشين، ثم ينتهي بك المطاف إلى السجن لتكتشفَ لاحقا
أنّ بعض الفاسدين المرتشين قد تجشّموا عناء المطالبة بالعفو عنك! هل هناك وصفة
أجدى من هذه لضمان استمرار الرذيلة وغياب الفضيلة؟
يقبع "راشد" في سجنه الآن، وما يُواجهه
وحيدا في هذه اللحظات العصيبة أخطر بكثير من تقييد حريته وحركته، بل هو أخطر حتى
من الآثار النفسية التي يتعرّض لها أيّ سجين، ذلك أنّ ما يُواجهه "راشد"
الآن هو جرحٌ غائر قوامه الشعور بالخُذلان، وهو شعور مزدوج، فعندما يخذلك المجتمع بأسره
بالرّغم من تضحياتك من أجله، فإنّ ردّة الفعل المتوقعة هي شعورك بأنّك خذلتَ أسرتك الصغيرة بالرّغم من تضحياتها من أجلك، لا لشيء إلّا من أجل مجتمع لم يعد يذكر حتى اسمك، فَهَلّا قُمنا جميعا بواجبنا في إضفاء
معنى على تضحيات هذا الشابّ الوطنيّ، وليس أقلّ من إخراجه من دائرة النسيان كي ندفعَ
عنه الشعورَ بالخُذلان!
هناك تعليق واحد:
ألم مزدوج وخذلان مضاعف..
إرسال تعليق